في مجلسٍ عامرٍ بالمحبّة والوفاء، وفي أمسيةٍ حملت بين جنباتها عبق التاريخ ودفء القربى، اجتمع لفيفٌ من وجهاء المجتمع ورجالات البحرين الأوفياء في مجلس الشيخ الدكتور جاسم بن أحمد السعيدي، أحد رموز الأسرة العريقة المعروفة بدورها الديني والاجتماعي والتاريخي.
وقد شهد اللقاء حضور الوجيه الشيخ عبدالله بن حمد الماجد النعيمي، أحد أعلام قبيلة النعيم، وبرفقته نجله اللواء ركن راشد عبدالله حمد الماجد النعيمي، إلى جانب عدد من أبناء قبيلة السعيدي، وفي مقدّمتهم الشيخ الدكتور جاسم السعيدي، حفيد الشيخ مبارك بن محمد السعيدي، وبمعيّتهم نخبة من الباحثين والمثقفين، من أبرزهم السيد فارس بن جاسم السعيدي، الباحث المعروف، وصاحب العطاء الثقافي والاجتماعي المتصل.
◾ شهادة نسب ومحبة
في كلمته المؤثرة، تحدث الوجيه النعيمي عن العلاقة الراسخة بين آل سعيد وقبيلة النعيم، وخصّ بالذكر الجد الكبير الشيخ مبارك بن محمد السعيدي، الذي كان موضع تقدير من الجميع، وقال إن شقيقه “مبارك” سُمّي تيمنًا باسم هذا الشيخ الجليل، تقديرًا ومحبةً واعترافًا بالمكانة التي حظيت بها أسرة السعيدي. وأضاف:
“السعيد خوالي، وأمي وضعت في فريحة، وكان مجلسكم في فريحة السعيد معروفًا، والناس إذا قصدت الزبارة، إما تنزل عندكم أو تطلع من عندكم، ونحن أهلكم من سنين، الله يرحم الأولين، ولا يزال مجلسكم مقصِدًا للناس.”
◾ الإرث البحري والتحصينات الدفاعية: الأسطول السعيدي و”جليعات السعيد”
دار الحديث كذلك حول أحد أبرز جوانب تاريخ آل سعيد، وهو الأسطول البحري الذي امتلكته الأسرة، حيث كانت لهم سفن عديدة استُخدمت في التجارة ونقل البضائع بين موانئ الخليج العربي. وقد تميزت هذه السفن ببنائها المتين، وسُمعتها المعروفة بين أهل البحر، مما ساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية، وربط مناطق الزبارة والدوحة والبحرين تجاريًا.
وفي سياق آخر، تم التطرّق إلى ما يُعرف بـ “جليعات ابن سعيد”، وهي ليست سفنًا كما يظن البعض، بل قلاع حجرية وتحصينات دفاعية أقامها آل سعيد في مواقع استراتيجية. وكلمة “جليعة” في لسان أهل الخليج تعني القلعة الصغيرة أو البرج، وهي مأخوذة من “تجلِع”، أي تدل وتُشير، وتُطلق مجازًا على القلاع التي يَظهر بها العز والتميّز.
وقد سُميت “جليعات” للدلالة على تعددها وكثرتها، ويُرجّح أن عددها يتراوح ما بين أربع إلى ست جليعات. كانت هذه التحصينات تُستخدم للحماية والمراقبة، مما يعكس مدى انتشار نفوذ آل سعيد، ودورهم في تأمين الطرق والممرات الحيوية آنذاك.
وقد بقيت بعض هذه القلاع محفوظة في الذاكرة الشفوية والوثائقية حتى يومنا هذا، وشاهدة على فترات من الاستقرار والازدهار عاشتها الأسرة في محيطها القبلي والجغرافي.
◾ ذاكرة وطن وروح أسرة
لقد كان هذا اللقاء أكثر من مجرد زيارة، بل محطة موثّقة تُجسّد وشائج القربى، وتعكس استمرارية العلاقة بين الرموز التاريخية في البحرين والخليج، وحرص أبناء الأسر العريقة على توثيق موروثهم، واستحضار القيم التي تربطهم بالمجتمع والدولة، والمساهمة في تعزيز الهوية البحرينية الجامعة التي ترتكز على التلاحم بين مكوناتها.
كما يعكس هذا اللقاء عمق الوعي بأهمية الذاكرة الشفوية والتاريخية، في وقت بات فيه توثيق الحكايات العائلية والقبلية ركيزةً من ركائز صون الهوية الوطنية. وهو الدور الذي يضطلع به اليوم السيد فارس بن جاسم السعيدي، أحد أبرز من يعملون على توثيق تاريخ القبيلة وتدوين مآثرها، من خلال ما يقوم به من جهود علمية وميدانية تشمل البحث التاريخي، والمقابلات، وجمع الوثائق، والعمل على الأرشفة الأكاديمية والرقمية.

