لا شك أن التحديات الهائلة التي أفرزتها جائحة فيروس كورونا تضع الإرادة الجماعية للعالم على المحك . أولا، القيود على السفر ألزمت الكثير منَّا منازلهم، والآن البلدان في شتَّى أرجاء العالم تفرض تدابير لتحقيق التباعد الاجتماعي. وهذه الإجراءات ذات أهمية بالغة لوقف انتشار الجائحة، بيد أن جائحة كورونا تنطوي على مفارقة مأساوية. وهي أنه يجب علينا أن نتباعد بأجسادنا حتى نحمي أنفسنا وغيرنا. يقول لنا أخصائيو علم الأوبئة وخبراء الصحة العامة إن التباعد الاجتماعي ضروري للحيلولة دون انتشار المرض. وللعمل بهذه النصيحة، فرضت الحكومات في شتَّى أرجاء المعمورة حظر التجول، وأمرت بالحجر الصحي، وألزمت الناس بالبقاء في منازلهم.
قالت الشاعرة والكاتبة الروائية السعودية جوهرة بنت محمد الصالح إن التواصل الاجتماعي يبن الناس باعتباره فطرة إنسانية، وضرورة شخصية واجتماعية، لا يمكن للإنسان أن يستغني عنه في علاقاته بمحيطه الأسري والاجتماعي والمهني…إذ من خلال هذه القناة يوطد الفرد علاقاته العامة بالآخرين أو يكسب علاقات جديدة أو يعزز أخرى قائمة، كما أنه ومن خلالها وعبرها يُعبّر الفرد عن حاجياته النفسية والعقلية والعاطفية وغيرها من الرغبات الشخصية أو الجمعية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر…
وصفات جوهرة الصالح إذا كان هذا التواصل في الظروف الطبيعية لعموم الناس يتم بشكل تلقائي وسلس، فإنه وفي ظل بعض الظروف الاستثنائية، كتلك التي عاشها البشر جميعا مع جائحة كورونا، التي فَرضت عليهم–في الغالب الأعم- أن يكون تواصلهم “عن بعد”، يفتقد الناس للاحتكاك المباشر بين الأفراد والمجموعات، كما للاجتماع بأعداد كبيرة أو متوسطة في أماكن مشتركة أو محدودة المساحة، كالإدارات والمقاهي والأبناك والمحلات التجارية…أو التواجد بكثافة في أماكن عامة، كالمساجد والملاعب الرياضية والمسارح وقاعات السينما وغيرها…
وأكدت الصالح أن هذه الوضعية التواصلية الجديدة أصبحت مقرونة بالعديد من السلوكيات الحميدة، من قبيل الالتزام بالنظام والانتظام في الأماكن العامة وفي المواصلات العمومية، والحرص على التباعد الاجتماعي بين الأفراد (مسافة الأمان)، والتخلي عن العادات الاجتماعية في تبادل التحية–بالنسبة للأغراب- أو التقليل منها –بالنسبة للأقارب- مثل المصافحة باليد أو غيرها من أشكال التحية المتداولة بين الناس أو أساليب التعبير عن التعاطف والحنان تجاه الكبار والصغار (المعانقة – التقبيل – الرفع فوق العنق – الضم إلى الصدر…)، والتقليص من اللقاءات العائلية والاجتماعية، سواء تعلقت بالأفراح أو الأتراح، إلى درجة التنازل –على مضض- عن الحضور في مناسبات العزاء الأليمة ولو كانت لأعز الأقارب والأحباب والأصدقاء وتبادل وقبول التعازي عن بعد!!.