لعبت إسهامات الفنانة التشكيلية منى الخاجة دوراً مهماً في التأسيس لمسيرة الفن في دولة الإمارات العربية المتحدة.. ثم إغنائها والارتقاء بمستوياتها، ذلك خاصة وأنها من جيل الرواد الأوائل من الفنانين المواطنين.
وقد برزت أهمية إبداعات الفنانة عبر مشاركاتها في معارض وبرامج جمعية الإمارات للفنون التشكيلية المتنوعة، إذ بقيت فاعلة ومؤثرة في مجموع النشاطات والبرامج الفنية للجمعية، في الساحة المحلية والخليجية.
وكان لافتاً ما حازته أعمال الخاجة من تقدير واهتمام مبكرين من قبل متذوقي الفن، حيث تبدى هذا بجلاء مع مشاركاتها ضمن باقة معارض كان لها كبير الأثر في صقل مهاراتها وإذكاء تجربتها.. وهي أثمرت، في الوقت نفسه، تسليط الأضواء على مهاراتها وقيمة منتجها، ومن ثم لاقت كبير التقدير، مع هذه الأجواء، وهي في سن صغيرة بعد أن اقتني عملان لها بينما كانت في الـ14 من العمر.
قصص وذكريات كثيرة، عن هيامها بالتشكيل والفن عموما.. وكذا عن الطفولة وعن تجاربها ومراحلها الإبداعية، تسردها منى الخاجة في حوارها مع «البيان»، موضحة أنها استهلت مشوارها الفني مع الأسلوب الواقعي المتمثل في التعبير عن عناصر مختلفة من البيئة المحيطة، والتي تتمثل في رسم القوارب والسفن والبيوت القديمة وشبابيكها الصغيرة، وشكلت مفرداتها مع الثراث عناصر القوة والسحر في لوحاتها، إلا أنها انتقلت إلى الأسلوب التجريدي والرمزي.
تستهل الخاجة حديثها عن تجربتها ومحطات إبداعها وحياتها فتحكي عن تأثير طفولتها على فنها.. ثم تتحول لتتطرق إلى بداياتها مع الفنون التشكيلية في جمعية الإمارات للفنون التشكيلية: في مرحلة الدراسة، وجدت التشجيع والرعاية من مدرساتي فكانت لدي مشاركات وأعمال متعددة في الفعاليات الفنية، مثل: رسم جداريات المدرسة واللوحات التي تزين ممراتها.
كما كنت أجلس بعد انتهاء يوم الدوام المدرسي مع الطالبات في المرسم لنبدع رسوماً نشارك بها في الأنشطة، وقد كانت مدرِّسة مادة الفنون تترك لنا مفتاح باب غرفة المرسم لندخلها حين نشاء، وذلك تشجيعاً منها لنا على الاستمرار ومواصلة صقل مواهبنا التي أصبحت بعد ذلك إمكانيات وقدرات مهمة تؤهلنا لخوض تجربة الرسم بشكل أكبر وأوسع.
وقبل أن أبدأ بالدراسة الجامعية في مجال وتخصص الفنون في العاصمة المصرية القاهرة، انضممت إلى الجمعية النسائية في الشارقة لأكون من بين العضوات الصغيرات فيها، وشاركت في عدة معارض من خلال الجمعية، ثم التحقت بالدراسة بكلية الفنون الجميلة في القاهرة لمدة 5 سنوات، وكان المشرفون علينا فنانين مهمين، أمثال: حامد ندى ومحمد رياض وأحمد نبيل.
ساطعة ومشرقة
وتشرح الفنانة الإماراتية طبيعة التأثيرات التي أثرت خبراتها وأذكت ملكاتها الإبداعية في تلك المحطة من حياتها: من خلال دراستي، اطلعت على أعمال الفنانين العالميين، وتأثرت بهم كثيراً، وعلى رأسهم ليوناردو دافنشي الذي يعد الأكثر تأثيراً في أعمالي الأولى، إضافة إلى فان كوخ ورينوار وسيلفادور دالي. إلا أنني بقيت في استخدامي وتفضيلي للألوان في لوحاتي، ميالة إلى تلك التي تعكس وتمثل البيئة.
وخلال دراستي في مصر، كنت أستخدم الألوان الترابية، ولما عدت للإمارات تغيرت الألوان إلى الساطعة والمشرقة، فقد تأثرت بألوان الصحراء ولون البحر، كما أن أغلب لوحاتي لمواضيع بيئية وتراثية واجتماعية إماراتية، وأرسمها مستوحاة من الطبيعة، وهي كالبيوت القديمة بطرازها المعماري المتميز، وصناعة السفن ومشاهد الشواطئ.
ولكن، ومع الأيام، اتجهت لناحية أخرى وأصبحت أستوحي من التراث وأستخدم مكوناته ومفرداته كرموز، وشرعت بأخذ ألوان وأشكال ورموز من المضمون التراثي لأوظفها في اللوحة بطريقة تجريدية ورمزية.
اقتراح
تحاول منى الخاجة أن لا تتخلف عن برنامج حضورها اليومي ومداومتها في مرسمها الخاص ضمن المنزل، حيث إنها، وكما تؤكد لـ«البيان»، لا تتوقف عن الرسم والعطاء فيه، وذلك حتى وهي تعرف أن اللوحات التي تنجزها لن تعرض.. فالمهم أن ترسم وترسم وترسم كثيراً، لأن الرسم متنفس لها.
كما لا تبخل بأي جهد أو خبرة لتدريب الموهوبين في الحقل وتقديم الاستشارات اللازمة. ولديها أعمال معروضة عديدة بمتحف في الأردن وفي المجمع الثقافي بأبوظبي، ولوحات غيرها يقتنيها محبو أعمالها، وبعض اللوحات الموجودة ضمن مقرات كثير من الوزارات الحكومية والدوائر والبنوك.
وأما عن كيفية نقل تجارب الرواد للأجيال الحالية، فتقول: يفضل تخصيص مرسم أو استوديو لكل فنان، ليأتي الطلاب والموهوبون في الفنون التشكيلية للتعرف على أساليبهم، مع ذلك يكون متاحاً لأي من هؤلاء التماس والاستفادة المباشران من أي فنان يميل إليه، وطبعاً على أن يجمع هذا المرسم مناطق متنوعة من خلال مركز يجتمع فيه عدة فنانين، ذلك حتى تستوعب الأجيال الفنون وأشكالها وتتعلمها، كما لا بد وأن يعتبر الفنانون هذا المرسم كورشة مهمة لمساعدة الأجيال الحالية على تلمس طريقها نحو الفن.
وتشدد منى الخاجة، في الختام، على ضرورة حرص المجتمع والمعنيين بالإبداع، على أن لا يتحول تركيز الفنان من الإبداع والإنتاج والفن إلى التسويق. فذلك يؤثر على تميز مستويات أعماله. وهي تقترح أن يناط بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية مهام الوسيط بين الفنان والمؤسسات لتسويق أعماله.