جدلية الصراع بين المدارس الغنائية القديمة والحديثة في الوطن العربي. وهي ليست مثار نقاش على مستوى النقد والصحافة الفنية العربيين، وانما على مستوى المعنيين انفسهم بهموم الغناء من موسيقيين ومطربين وشعراء غنائيين، خصوصاً بعدما عمد عدد كبير من المحدثين الى الجرأة في الاقتباس من الثقافات الموسيقية غير العربية بدعوى التطوير والمواكبة.
انه صراع بين القديم والحديث تستخدم فيه كل اسلحة المعارك الثقافية. فالأغنية القديمة ليست عند المحدثين سوى تراث، او أنماط موسيقية كلاسيكية. أما لدى جيل الرواد فهي الاصل الذي لا يمكن ان يكون هناك جديد من دونه. وفي عُرفهم ان الجديد من الفنون كلها غث وهابط ولن يكتب له بقاء.
غير ان هذا الجدل المستمر منذ عقود عدة لم يتوصل الى اي اجابات لتساؤلات كثيرة ذات اهمية حيوية وحاسمة، لعل أبرزها: لماذا لا تزال أماكن عباقرة الغناء والموسيقى في أوطاننا شاغرة بعد مرور سنوات عدة على رحيلهم؟ من خلف او سيخلف أم كلثوم وعبدالوهاب؟ من يستطيع ان يحل محل عاصي الرحباني؟ ومن يملأ الفراغ الذي تركه رحيل فريد الأطرش؟
وتتخذ المعركة بين الاشكال والمضامين الغنائية الحديثة والقديمة طبيعة مختلفة تماماً في بعض البلدان العربية نتيجة ظروف اجتماعية معينة تتعلق بتلك البلدان. ففي لبنان – على سبيل المثال – اكتسب الصراع صبغة جديدة تماماً نتيجة انتشار قنوات التلفزة الفضائية والمحلية، وهيمنة ما يسمى “الأغنية التلفزيونية”.
وفي الخليج – باستثناء المملكة العربية السعودية – لا تنحصر القضية في الصراع بين قديم وحديث، لكنها لا تزال تحاول العبور من ازمة الهوية والشكل، وتتأرجح بين استكناه التراث الشعبي واستنباط اساليب للاقتباس من الموسيقى الغربية، وابتكار اشكال شعرية غنائية تستوعب متغيرات العصر.
وفي نهاية المطاف يبقى السجال بين التجديد والتشبث بالقديم. ويبقى – وهذا هو الأهم – أن لكل من التيارين عشاقه المتحمسين له. وهكذا تواجه الاغنية العربية تحديات القرن الجديد وهي لا تزال تسعى الى حل ازماتها القديمة
في البدايه تحدثت الفنانة اصالة ان ما يحدث الآن “تغير في شكل التوزيع الموسيقي، فيما المضمون الغنائي كما هو”، وأكدت “من فات قديمه تاه”، لكنها اشارت الى ان سمة العصر الذي نعيشه هي السرعة في اللحن والأداء”، “انما من دون الغاء المشاعر”. وتساءلت أنوشكا وهي من ابرز المطربات الشابات فيالوطن العربي وأكثرهن صيتاً في الخارج: لماذا يطالب “القديم” بعدم استخدام التقنيات الحديثة في مجال الغناء، على الرغم من انها اقتحمت كل المجالات والمهن الاخرى؟ إن الآلة الموسيقية مهما بلغت من تعقيد وتقدم لا قيمة لها من دون المشاعر”.
الفنانة أصيل هميم
وقالت الفنانة أصيل هميم ”ان كل التجارب الجديدة محفوفة بصعوبات من جهة تقبل الجمهور، ولن يكون سهلاً على انسان يحكمه المألوف والسائد، استقبال اي شيء جديد يتعارض للوهلة الاولى مع ذوقه، وهنا يأتي دور الملحن، فهو الوحيد القادر على جعل غير المألوف، مألوفاً”. وقالت انا مع التجديد في الاغنية، على ألا يجور على الروح العربية الاصيلة في الغناء”. وكان طبيعياً ان يلخص ازمة الاغنية العربية في “افتقاد الكلمة الجيدة، وهذه مسؤوليتنا ”.
الفنانة بلقيس فتحي
اما الفنانة بلقيس فتحي فقد بتقويم العلاقة بين القديم والجديد في الاغنية العربية، منحى اكثر اتساعاً “ما يحدث في مجال الاغنية ليس سوى صورة مصغرة لانهيار الكتل والتحالفات والقوميات الكبيرة، لقد ادى ذلك، وان بصورة غير مباشرة، الى بروز الموسيقى الصاخبة، ربما كمعادل لهذا الانهيار، غير انها طفرة الى زوال طالما ان الاستقرار من طبائع الامور ولن يبقى سوى الكلمة المميزة واللحن المميز”.
الفنانه نوال الكويتية
وتستنكرت المطربة الكبيرة نوال الكويتية وجود هذا الصراع من اساسه: “الأصوات الجديدة كما ترى مملة، متزاحمة، ومتشابهة، حتى انك لا تستطيع ان تميز بينها مهما بلغت قدرتك على التذوق”، وأكدت ان ذوق المستمع العربي سيظل صامداً لأنه تأسس على تراث من الروائع الغنائية التي لا يمكن ان تغادر الذهن والقلب، وأوضحت “كان المطرب في ما مضى يعاني في الاعداد للأغنية، وفي البروفات واختيار الكلمة واللحن، وكان يقدم بعد ذلك اغنية واحدة او اثنتين في العام، فكيف نضع كل هذا في مواجهة مع سيل الاغنيات التافهة الذي نسمعه الآن؟”.
الفنانة نادية الغرباوي
قالت الفنانة المغربية نادية الغرباوي أن ما يحدث في مجال الاغنية العربية أمر طبيعي، اذا ما اخذنا في الاعتبار تعاقب الاجيال. فالقاعدة ان الفنان في موضع حركة وتطور، وأنا لا أحب ان يبقى الفنان جامداً”. وأضافت الفنانه نادية الغرباوي الاجيال الحالية لم تعد تستوعب الاغنية الطويلة او الجملة الغنائية المعقدة، وبالمقابل تتوجه الى الغناء السهل الصاخب بالحركة و “الفرفشة”، على كل حال انا من المدرسة التي تنادي بالتطور وملاحقة الجديد مع المحافظة على الاصالة.
الفنانة دنيا بطمة
وأكدت الفنانة المغربية دنيا بطمة بلهجة متفائلة ان الاغنية العربية “بخير ولا خوف عليها من الموجات الحديثة”. وقالت انها ليست ضد التطور: بشرط ان يبقى النغم الشرقي المألوف بعيداً عن العبث، انا مع كثرة الاغاني دون المستوى، ولا أراها عقبة في طريق مطرب واعي وناضج وأمين على تراثه وأصالته”.
وأشارت دنيا بطمة الى تعدد وتباين مستويات الوعي لدى جمهور الاغنية العربية: “ثمة من يريد ان يعيش حاله من خلال الاغنية، اعتقد ان هذا النوع من المستعمين لن يرتاح الا الى الاغنية القديمة، وثمة من يكتفي من الغناء بما يشبه الرقص في حلقة دراويش، ورغم ذلك فلا يوجد صراع بين القديم والجديد. هناك فقط تباين في الأذواق والأمر يحتاج الى ارضاء الكل، والمستفيد الاول هو الاغنية العربية بالطبع”، وأوجزت قائلة: “انا مع القديم المتطور”، الا انها حملت على الاذاعات المسموعة المرئية في العالم العربي واتهمتها بأنها ساهمت في تدهور ذوق الجمهور ولا بد من وجود رقابة صارمة.